السنـة الأمازيغيـة الجديــدة 2956
يصادف يوم 12 ينايـر من السنة الميلادية بداية السنة الأمازيغية الجديدة التي يحتفـــل بها في دول شمال افريقيا· والنايـــر
YENNAYER كلمة مركبة من YEN أي واحد وAYER وهو الشهر: أي الشهر الأول في السنة·
كما يطلق عليه أيضا ID N USGGAS أي ليلة السنة، أو >تابورت أوسقاس< باب السنة وهو اليوم الذي يفصل بين فترتين ويتم الاحتفال به في كل الشمال الافريقي منذ قرون طويلة·
ويتزامن >الناير< من الناحية الفصلية مع تعاقب الفصول وكذا مختلف أطوار حياة النباتات التي عادة ما تحدد أوقات القيام بعملية الزراعة والحرث·
ويحتفل بالناير الذي يرمز الى الخصوبة والازدهار، بإقامة طقوس خاصة تباشرها القبائل الامازيغية مثلا يتم في هذه المناسبة نحر ديك على عتبة المنزل وذلك لابعاد سوء الطالع وللتفاؤل بالخير ووفرة المحاصيل· ويعتقد في بعض المناطق أن من يحتفل بالناير سيبعد عن نفسه عين السوء وعواقب الزمن كما يعد الناير مناسبة للقيام بطقوس محلية عديدة تختلف باختلاف المناطق·
ويشير الاستاذ محمد حمام في مقال تحت عنوان >السنة الأمازيغية بالمغرب: معطيات تاريخية< في (دورية المعهد الملكي للثقافة الامازيغية العدد 2 ص 21) الى أن >··· السنة الامازيغية تبدأ يوم 13 يناير من كل سنة· وفي ليلة ذلك اليوم يتم الاحتفال بحلول السنة الجديدة وفق طقوس معينة تختلف شيئا ما من منطقة الى أخرى· وتلك الليلة تسمى إض - سْكَاسْ أو إضْ - نون - سْكَاسْ، في بعض المناطق، ويطلق عليها في مناطق أخرى إضْ - ن - نير، إضْ - ن - حكوزة (آيت سغروشن، إزيان، اشقيرْنْ)، وبيانو (آيت وراين) وكما يدل عليها اسمها إض - سكاس، أي ليلة السنة، فإنها تعني في آن واحد ليلة نهاية السنة المنصرمة وبداية السنة الجديدة، وللتعبير عن فرحتهم بهذه المناسبة يقوم الناس باعداد وجبات أكل خاصة تتفاوت مكوناتها من منطقة الى أخرى·
فلدى قبائل دادس وايمغران وتدغت وآيت عطا على سبيل المثال يكون ذلك على شكل طبق كسكس أو مرق محضر من سبع خضر، يوضع فيها نوى تمر واحد لاعتقادهم أن من وجد هذه النوى أثناء الأكل يعتبر سعيدا ومباركا بالنسسبة للعائلة خلال السنة الجديدة· فلدى ايمغران كان ذلك السعيد يحظى بتسلم مفاتيح مخزن العائلة· ومن الأقوال المأثورة أيضا في هذا الصدد، أن من لم يشبع الطعام في تلك الليلة فإن الجوع سيطارده طيلة السنة الجديدة· (وَنّ اورْ إدْجَوْنْ اضْ ننيْرْ أورسارْ إدجوْنْ ارْدْ إسوتل اسْكَاسْْْ)1· وفي المغرب والاندلس كانت تضع حلوى تسمى المدائن بألوان وأشكال مختلفة >وتعطى للأطفال تبشيرا بخصب العام الجديد وتفاؤلا ببسط الرزق عليهم<·
ومن طقوس الاستعداد التي تباشرها القبائل الاطلسية لاستقبال هذا اليوم الجديد >اخفْ نسكاسْ< اجتماع نسوة العائلات، وقيامهن بتهيئ الكسكس بطريقة تقليدية يسمى >طْعَام نُ قوسْ<، وتتكون عناصره من دقيق القمح أو الشعير والماء والملح ويتم اعداده من جميع أنواع الحبوب المعروفة في المنطقة تيمنا بسنة فلاحية جيدة· وتتكون وسائل الاعداد من الغربال و>أكرا< أي الكساس المصنوع من الطين و>اسمسل< وإنا معدني يسمى بالامازيغية لدى قبائل الاطلس >أيت يحيى< >تاسيلت نْ سبْعْمعَاد<·
كما أن هذه المناسبة تعد فرصة لاقامة عشاء >امْنْسِي< خاص ويتمثل في طبق الكسكس ويحتوي على سبعة أنواع من الخضار اضافة الى ثمرة واحدة، ويكون سعيد الطالع >أنبارش< من وجد نوى التمرة أثناء تناول العشاء، ومن العادات الأطلسية كذلك أن الفتيات تتبادل المتمنيات بمناسبة السنة الجديدة كأن يجدن في الحياة الكبير من الاشياء المفضلة وإن كانت صغيرة والتي يمكن أن تضفي على حياتهن الكثير من البهجة والحبور·
وفي بعض مناطق سوس من العادات التي تباشر بهذه المناسبة عصيدة يناير (تكلا نيناير)، وهي عبارة عن احتفال برأس السنة الفلاحية بواسطة وجبة عصيدة تتعشى بها كل أسرة ليلة فاتح يناير، وتكون العصيدة محشوة بحبات أركان (أقاين) أو عجمات التمر (أغرمي)، ويتفاءل الأكل بمصادفته هذه الحبات، ويستقرئ حظه من خلال عددها·
وتشير بعض الدراسات التاريخية الى أن الأمازيغ ربطوا عاداتهم بالأرض، فمارسوها بشكل تلقائي، متبعين نظاما زمنيا دقيقا، يبتدئ في أول ليلة من السنة الفلاحية حيث تقام الحفلة، وذلك بتهييء تاكلا ن ءيض ن ءيناير، ويكتسي زمن إحياء هذه العادة بعدين اثنين:
- البعد الأول: ويبدو جليا من خلال ارتباط مكونات هذه العادة بالأرض، إذ هي بمثابة بداية السنة الفلاحية كما أسلفنا، والأكلة التي تقدم فيها تتكون من مواد لها مغزى، وهي مؤشر على حال مستقبل السنة·
- البعد الثاني: له ارتباط بتاريخ الامازيغ الذي يبتدئ مؤقتا، في المصادر المكتوبة - خاصة منها ما كتبه الاغريق - مع اعتلاء أكليد (الملك) الأمازيغي شيشونغ العرش في مصر· وكان ذلك بعد تنحيته لآخر ملوك الأسرة الحادية والعشرين، حيث انتصر شيشونغ على الملك رمسيس الثالث من أسرة الفراعنة بمصر في معركة دارت بين الطرفين سنة 950 ق·ب·
وفي نفس الصدد يشير الاستاذ مصطفى أعشي الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الامازيغية، الى أن النصوص والمنحوتات الفرعونية تتحدث عن تلك المواجهات التي كانت قائمة بين الامازيغ والفراعنة منذ آلاف السنين أي منذ الألف الرابع قبل الميلاد أي أكثر من ستة آلاف السنين أي منذ الألف الرابع قبل الميلاد أكثر من ستة آلاف سنة، مضيفا أنه خلال تلك المواجهات المتتالية تمكنت مجموعات أمازيغية من التسرب الى مصر، وأصبحت تكون القوة العسكرية الاساسية التي يعتمد عليها الفراعنة·
مميزات السنة الأمازيغية
بحلول السنة الأمازيغية الجديدة فاتح الناير يبدأ النشاط الفلاحي وتكون عادة تلك الفترة المتمثلة في الاعتدال الربيعي والانقلاب الشتائي خلال السنة· وفي نفس الصدد أشار الاستاذ محمد حمام الى أن<··· ما نعرفه عن السنة الفلاحية عن طريق الرواية الشفوية فهي تتكون من 365 يوما مقسمة الى أربعة فصول هي: تكرسْتْ (الشتاء)، وتلدرار أو تَرْدَرارْ لدى أهل دادس وإيمغران وآيت بُووُولي في الاطلس الكبير، وتَفْسوُتْ أو تِيفْسَا في مناطق أخرى من الأطلس المتوسط وشمالي مدينة فاس (فصل الربيع)، وانْبْدُو (فصل الصيف) وتمنزويت لدى آيت بووولي (فصل الخريف)· وتمَنْزويت مشتقة من جذر فعل إنزي الذي معناه وصل باكرا، وبتعبير آخر فهذا الفصل هو فصل الحرث المبكر وبعض الزراعات السريعة والملاحظ أن مدة هذه الفصول تتفاوت شيئا ما حسب المناطق، ففصل الحرارة يبدأ مبكرا مثلا في الجنوب الصحراوي والشبه الصحراوي<·
أما من الناحية الثقافية، فإن سنة 950 ق·م شكلت اعلانا وولاءا للإرث الامازيغي، ذلك أن الملك شيشونغ عندما نصب نفسه ملكا على عرش مصر في أرض النيل قام بإحياء تلك الليلة على شرف زعماء القبائل الامازيغية من خلال عاداتها وبذلك بدأ التقويم الرسمي للأمازيغ سنة 950 ق·م·
وعلى سبيل الختم يمكن القول في هذا الشأن أنه نظرا لقلة الابحاث والقراءات التي تناولت هذا الموضوع بالبحث والتمحيص فإن مجال البحث مدعو الى التنقيب الانتروبولوجي وكذا الاثري، لتوضيح الرؤية وإضاءة هذا الموضوع، بمزيد من المعلومات الشافية والكافية، لتفسير هذه الظاهرة المرتبطة بشمال افريقيا، وخاصة لدى القبائل الأمازيغية ولتفادي اشكالية التراث الشفاهي الذي شمل عادات وتقاليد ترسخت جذورها في الذاكرة الأمازيغية منذ عهود مضت