منتدايات هموشي العربية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدايات هموشي العربية

للعلم و المعرفة ترحب بجميع الا عظاء و الزوار الاعزاء


    كتابه التاريخ العربى والاسلامى بين الصواب والخطا!

    البراق العربي
    البراق العربي
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 61
    نقاط : 171
    تاريخ التسجيل : 06/03/2010
    العمر : 45
    الموقع : www.hammouchi.tk

    كتابه التاريخ العربى والاسلامى بين الصواب والخطا! Empty كتابه التاريخ العربى والاسلامى بين الصواب والخطا!

    مُساهمة من طرف البراق العربي الإثنين 05 أبريل 2010, 19:38



    مما لا شك فيه أن كتابة التاريخ الإسلامي منذ اللحظات الأولى لنزول الوحي إلى يومنا هذا قد غلبت عليها النظرة السياسية والعسكرية للأحداث؛ فمجريات ومراحل هذا التاريخ الممتد على مدى خمسة عشر قرنا قد تم التأريخ لها كأحداث سياسية وحربية بالدرجة الأولى، مما خلق لدى المتتبع والقارئ المهتم بتاريخ الحضارة الإسلامية انطباعا خاطئا مفاده أن هذا التاريخ مليء بالصرعات والنزعات السياسية والحروب الطاحنة.
    معظم المصادر التاريخية الرئيسية وما تلتها من قراءات وأبحاث تاريخية عديدة قد كرست هذا النهج الأحادي في التعامل مع تاريخ الحضارة الإسلامية وأهملت جوانب هامة فيه بشكل يثير الاستغراب.
    هذه النهج الأحادي لا يقتصر على مرحلة معينة من مراحل هذا التاريخ الطويل بل يلقي بظلاله على جل مراحله ومجرياته، بل ويبدو أنه قد أضحى نهجا لا محيد عنه في فهم هذا التاريخ، فأصبحنا لا ننظر إليه ولا نفهمه إلا عبر زاوية نظر جد ضيقة، ألا وهي النظرة السياسية والعسكرية السالفة الذكر وبالتالي فإننا إزاء عملية اختزال غير مبررة لتاريخ حضارة الإسلام، بل وإن بعض المفردات من قبيل:"غزوة"، "فدية"، "مارقين"، "ردة"، "فتنة"، "أسرى" وغيرها أضحت تشكل المصطلحات الرئيسة في قاموس الكتابة التاريخية للحضارة الإسلامية.
    في كتب السيرة النبوية على سبيل المثال تم التركيز بشكل ملفت للنظر على غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يخيل للمريء أن حياة النبي الكريم ما هي إلى سلسلة من الغزوات والحروب المتواصلة.
    كما أسهبت معظم المصادر العربية والغربية في وصف الفتن والثورات والصراع على الحكم بين الولاة بدءا من فترة الخلفاء الراشدين ومرورا بالعهد الأموي والعصر العباسي ووصولا إلى الخلافة العثمانية.
    أيضا ركزت هذه المصادر في فهمها وتقيمها للمراحل التاريخية في المنطقة على دراسة الشخصيات وسير الأسر الحاكمة والأنساب والقبائل والطوائف، إذن ليس من المبالغة في شيء إذا ما اعتبرنا أن تاريخ المنطقة برمته والذي يتم تكريسه في مناهجنا التعلمية داخل مدارسنا وجامعاتنا هو تاريخ الملوك لا غير.
    لا أنكر دور بعض الشخصيات والأعلام، والتي احتلت سيرتها مكانة هامة على صفحات المصادر التاريخية، في تغيير حركة التاريخ الإسلامي وتوجيه مساراته ولا أنكر أيضا ما للأحداث السياسية والصرعات العسكرية من تأثير عميق على سيرورة المشهد التاريخي للمنطقة، لكنني بالمقابل أعتبر أن اختزال التاريخ العربي ـ الإسلامي في كل ما هو سياسي وعسكري فقط، هو تشويه لهذا التاريخ، بل هو ظلم في حق الحضارة العربية الإسلامية .
    لست أدعو هنا إلى ضرورة إعادة كتابة تاريخ المنطقة من جدي،د لأن هذا لن يتم إلا عن طريق مجهودات علمية جبارة تسهر على إرساء قواعدها ومقوماتها وتضمن استمراريتها شبكة من المؤسسات المختصة والمعاهد البحثية داخل الوطن العربي والعالم الإسلامي هدفها فهم وإعادة كتابة تاريخ المنطقة بشكل علمي ورصين. وفي غياب الإرادة السياسية الحقيقية وما يترتب عنها من دعم حقيقي ومستمر فإن هذا المشروع الذي لا طالما نادى به الكثير من مثقفينا سيضل يراوح مكانه شأنه في ذلك شأن العديد من المشاريع الحضارية والرؤى النهضوية التي طالها التهميش واللامبالاة .
    لكني بالمقابل أرى أنه قد آن الأوان لإعادة الاعتبار لجوانب محددة من تاريخنا ضلت إلى يومنا هذا في طي النسيان، ولعل من أبرزها الجانب العلمي في تاريخ الحضارة الإسلامية هذا الجانب الذي لم ينل الاهتمام الحقيقي والجاد من طرف المؤرخين والمتخصصين.
    لم يعد يخفى على أحد تفوق العرب والمسلمين في معظم العلوم الحياتية طوال العصر الوسيط وإنجازاتهم الفريدة في فروع علمية عديدة. ولا ينكر أحد حيوية وثراء الحياة العلمية في تلك الحقبة والتي جعلت من الحضارة العربية ـ الإسلامية حضارة علمية بالأساس.
    هذا التراث العلمي الهائل من الفرضيات والاختراعات والاكتشافات العلمية وأساليب البحث العلمي المبتكرة وغير ذلك لا نجد له الصدى الحقيقي والمكانة اللائقة في كتبنا التاريخية ولا في مناهجنا التعليمية من المدرسة الابتدائية إلى الجامعة، فهو مغيب بشكل يدعو إلى الحيرة. وفي أفضل الأحوال نجد أن هذه المرحلة الإبداعية في حضارتنا والتي استمرت أكثر من ٠ ٨٠ سنة لا تحتل إلا حيزا ضيقا على صفحات المصادر التاريخية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعبر عن الحقيقة التاريخية لتلك المرحلة المجيدة من تاريخ الحضارة العربية ـ الإسلامية.
    فهل نحن فعلا إزاء اختزال مقصود وتهميش متعمد لهذه الحقيقة التاريخية؟
    لا يمكن الإدلاء بإجابة محددة في هذا الصدد مخافة الانسياق وراء تكهنات قد لا تجدي نفعا. بالمقابل أعتقد أنه قد حان الوقت لتسليط الأضواء على هذا الجانب المعتم من تاريخنا، وأرى أن الاهتمام الجاد بتراثنا العلمي هو محاولة حقيقية وعملية في سبيل إنصاف التاريخ المشوه لهاته الحضارة .
    بدأ يتضح أن البحوث العلمية والدراسات التاريخية حول هذا الجانب المغيب من تاريخنا قد بدأت في التنامي منذ عقود، لكنه يتحتم بالمقابل إخراجها من عزلتها الأكاديمية وجعلها في متناول القارئ العربي، ولعل من أفضل السبل إلى ذلك هو دمج حصادها المعرفي وحقائقها المشرفة ضمن المنظومة التعلمية على اختلاف مراحلها.
    وهنا أشير بالتحديد إلى المنشورات الأكاديمية القيمة لمعهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية التابع لجامعة فرانكفورت الألمانية (1)، والذي يشرف عليه البرفسور فؤاد سزكين. منذ تأسيسه سنة ١٩٨٢ قام هذا المعهد بإصدار أكثر من ألف مجلد غالبا باللغة الألمانية تتعلق بمجالات عديدة مثل علوم الآداب واللغة والفلسفة والرياضيات والفلك والصناعات والطب والفيزياء والزراعة وغيرها من العلوم، وتقدم صورة واضحة وجلية للإنجازات العلمية للعرب والمسلمين.
    راكم هذا المعهد لوحده وبإمكانات متوسطة حصادا معرفيا ضخما، بينما جامعتنا ومعاهدنا ومراكزنا البحثية في الوطن العربي، لا تزال في غيبوبتها المعرفية ولم تقم الجهات العربية إلا بترجمة عدد ضئيل من إصدارات هذا المعهد الألماني إلى اللغة العربية . حيث قامت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة الملك سعود بترجمة أجزاء من كتاب تاريخ التراث العربي، المؤلف من اثنا عشر جزءا(2).
    أرى أنه بات من الضروري أن تقوم نخبة من الجامعات العربية أو المؤسسات المهتمة التراث العربي بالتنسيق مع هذا المعهد الغربي من أجل ترجمة متدرجة للأهم إصدارات المعهد إلى اللغة العربية وخصوصا تلك التي تتناول تاريخ العلوم الحياتية، نظرا لأنها تشكل ـ في نظري ـ أساساً لا غنى لنا عنه في فهم حقيقي لتلك الإنجازات العلمية المبهرة، كما أقترح أن تتم ـ كخطوة تمهيدية ـ ترجمة الدورية السنوية التي يصدرها المعهد منذ سنة ١٩٨٤ وهي مجلة تاريخ العلوم العربية والإسلامية(3)، ونشر نسختها العربية بشكل دوري ورقيا أو على الأقل إلكترونياً. كما أضم أيضا صوتي إلى صوت الباحث الأكاديمي د. محمود السيد الدغيم، الذي نادى بأن تتولى المؤسسات المعنية في العالم العربي الإسلامي إعادة إنتاج ونشر هذا الكم الهائل من إصدارات المعهد إلكترونيا وجعلها في متناول المتخصص والقارئ العادي على حد السواء بواسطة الأقراص المدمجة بل وعبر شبكة الإنترنت(4).
    خلاصة القول إن الاهتمام العملي والسعي الدؤوب لإعادة اكتشاف وفهم تراثنا العلمي العربي والإسلامي هو ضرورة ملحة أملتها الظروف الراهنة في محاولة جادة لتصحيح توجهات ومسار الكتابة التاريخية المستمرة للمنطقة، هذه الكتابة التي لا تتوقف البتة عن إعادة استدعاء منطلقات ورؤى تشويهية لتاريخنا بشكل ممنهج حتى أضحت بمرور الوقت مسلمات، بل وحتميات أوجدت بين ظهرينا أجيال تزدري تاريخها بل وتلعنه وتنظر إلى حاضرها ومستقبلها نظرة تيه وضياع.
    فهل من مجيب!

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 18 نوفمبر 2024, 22:22